فصل: (البحرين):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.ولنذكر هنا نبذة في التعريف بكاتب القرامطة وأمصار البحرين وعمان لما أن ذلك من توابع أخبارهم.

.(الكاتب):

كان كاتبهم أبو الفتح الحسين بن محمود ويعرف بكشاجم كان من أعلام الشعراء وذكره الثعالبي في اليتيمة والحصري في زهر الآداب وهو بغدادي المولد وأشهر بخدمة القرامطة فيما ذكره البيهقي وكتب لهم بعده ابنه أبو الفتح نصر ولقبه كشاجم مثل أبيه وكان كاتبا للأعصم.

.(البحرين):

إقليم يسمى بإسم مدينته ويقال هجر باسم مدينة أخرى منه كان حضرية فخربها القرامطة وبنو الأحساء وصارت حاضرة وهذا الإقليم مسافة شهر على بحر فارس بين البصرة وعمان شرقيها في فارس وغربيها متصل باليمامة وشمالها البصرة وجنوبها بعمان كثيرة المياه ببطونها على القامة والقامتين كثيرة البقل والفواكه مفرطة الحر منهالة الكثبان يغلب الرمل عليهم في منازلهم وهي من الإقليم الثاني وبعضها في الثالث كانت في الجاهلية لعبد القيس وبكر بن وائل من ربيعة وملكها للفرس وعاملها من قبلهم المنذر بن ساوي التميمي ثم صارت رياستها صدر الإسلام لبني الجارودي ولم يكن ولاة بني العباس ينزلون هجر إلى أن ملكها أبو سعيد القرمطي بعد حصار ثلاث سنين واستباحها قتلا وإحراقا وتخريبا ثم بنى أبو طاهر مدينة الأحساء وتوالت دولة القرامطة وغلب على البحرين بنو أبي الحسن بن ثعلب وبعدهم بنو عامر بن عقيل قال ابن سعيد والملك الآن فيهم في بني عصفور.

.(الأحساء):

بناها أبو طاهر القرمطي في المائة الثالثة وسميت بذلك لما فيها من أحساء المياه في الرمال ومراعي الإبل وكانت للقرامطة بها دولة وجالوا فى أقطار الشام والعراق ومصر والحجاز وملكوا الشام وعمان.

.(دارين):

هي من بلاد البحرين ينسب إليها الطيب كما تنسب الرماح إلى الخط بجانبها فيقال مسك دارين والرماح الخطية.

.(عمان):

وهي من ممالك جزيرة العرب المشتملة على اليمن والحجاز والشحر وحضرموت وعمان وهي خامسها إقليم سلطاني منفرد على بحر فارس من غربيه مسافة شهر شرقيها بحر فارس وجنوبيها بحر الهند وغربيها بلاد حضرموت وشماليها البحرين كثيرة النخل والفواكه وبها مغاص اللؤلؤ سميت بعمان بن قحطان أول من نزلها بولاية أخيه يعرب وصارت بعد سيل العرم للأزد وجاء الإسلام وملوكها بنو الجلندي والخوارج بها كثيرة وكانت لهم حروب مع عمال بني بويه وقاعدتهم تروى وملك عمان من البحر ملوك فارس غير مرة وهي في الإقليم الثاني وبها مياه وبساتين وأسواق وشجرها النخل وكانت بها في الإسلام دولة لبني شامة بن لؤي بن غالب وكثير من نسابة قريش يدفعونهم عن هذا النسب أولهم بها محمد بن القاسم الشامي بعثه المعتضد أعانه ففتحها وطرد الخوارج إلى تروى قاعدة الجبال وأقام الخطبة لبني العباس وتوارث ذلك بنوه وأظهروا شعار السنة ثم اختلفوا سنة خمس وثلثمائة وتحاربوا ولحق بعضهم بالقرامطة وأقاموا في فتنة إلى أن تغلب عليهم أبو طاهر القرمطي سنة سبع عشرة عند اقتلاعه الحجر وخطب بها لعبيد الله المهدي وترددت ولاة القرامطة عليها من سنة سبع عشرة إلى سنة خمس وسبعين فترهب واليها منهم وزهد وملكها أهل تروى الخوارج وقتلوا من كان بها من القرامطة والروافض وبقيت في أيديهم ورياستها للأزد منهم ثم سار بنو مكرم من وجوه عمان إلى بغداد واستخدموا لبني بويه وأعانوهم بالمراكب من فارس فملكوا مدينة عمان وطردوا الخوارج إلى جبالهم وخطبوا لبني العباس ثم ضعفت دولة بني بويه ببغداد فاستبد بنو مكرم بعمان وتوارثوا ملكها وكان منهم مؤيد الدولة أبو القاسم علي بن ناصر الدولة الحسين بن مكرم وكان ملكا جوادا ممدوحا قاله البيهقي ومدحه مهيار الديلمي وغيره ومات سنة ثمان وعشرين وأربعمائة بعد مدة طويلة في الملك وفي سنة اثنتين وأربعين ضعف ملك بني مكرم وتغلب عليهم النساء والعبيد فزحف إليها الخوارج وملكوها وقتلوا بقيتهم وانقطع منها رسم الملك وصار في حجار من مدر هذا الإقليم قلهاة هي عرصة عمان على بحر فارس من الإقليم الثاني ومما يلى الشحر وحجار في شماليها إلى البحرين بينهما سبع مراحل وهي في جبال منيعة فلم تحتج إلى سور وكان ملكها سنة ثمان وأربعين زكريا بن عبد الملك الأزدي من ذرية رياسة وكان الخوارج بتروى مدينة الشراة يدينون لهم ويرون أنهم من ولد الجلندي.

.الخبر عن الإسماعيلية أهل الحصون بالعراق وفارس والشام وسائر أمورهم ومصايرها.

هذا المذهب هو مذهب القرامطة وهم غلاة الرافضة وهو على ما رأيته من الاضطراب والاختلاف ولم يزل متناقلا في أهله بأنحاء العراق وخراسان وفارس والشام واختلف بعضهم باختلاف الأعصار والأمصار وكانوا يدعون أولا قرامطة ثم قيل لهم بالعراق باطنية ثم الإسماعيلية ثم النزارية لما حدث من عهد المستضيء العلوي لإبنه نزار وقتله شيعتهم بمصر ولم يبايعوا له وكان عنده ابن الصباح من هؤلاء الإسماعيلية ونفى الإمامة بعده عن أئمتهم بمصر فسموا أصحابه لذلك نزارية وكان هذا المذهب بعد موت ذكرويه وانحلال عقدتهم بقي منبثا في الأقطار ويتناوله أهله ويدعون إليه ويكتمونه ولذلك سمو الباطنية وفشت أذيتهم بالأمصار بما كانوا يعتقدونه من استباحة الدماء فكانوا يقاتلون الناس ويجتمع لذلك جموع منهم يكمنون في البيوت ويتوصلون إلى مقاصدهم من ذلك ثم عظمت أمورهم أيام السلطان ملك شاه عندما استمر الملك للعجم من الديلم والسلجوقية وعقل الخلفاء وعجزوا عن النظر في تحصين إمامتهم وكف الغوائل عنها فانتشروا في هذه العصور وربما اجتمع منهم جماعة بساوة بأنحاء همذان فصلوا صلاة العيد بأنحائهم فحبسهم الشحنة ثم أطلقهم ثم استولوا بعد ذلك على الحصون والقلاع فأول قلعة غلبوا عليها قلعة عند فارس كان صاحبها على مذهبهم فأووا إليه واجتمعوا عنده وصاروا يخطفون الناس من السابلة وعظم ضررهم بتلك النواحي ثم استولوا على قلعة أصفهان وإسمها شاه در كان السلطان شاه بناها وأنزل بها عامله فاتصل به أحمد بن غطاش كان أبوه من مقدمي الباطنية وعنه أخذ ابن الصباح وغيره منهم وكان أحمد هذا عظيما فيهم لمكان أبيه ورسوخه في العلم بينهم فعظموه لذلك وتوجوه وجمعوا له مالا وقدموه عليهم واتصل بصاحب القلعة فآثر مكانه وقلده الأمور حتى إذا توفي استولى أحمد بن غطاش على قلعة شاه در وأطلق أيدي أصحابه في نواحيها يخيفون السابلة من كل ناحية ثم استولوا على قلعة الموت من نواحي قزوين وهي من بنيان الديلم ومعنى هذا الإسم عندهم تميل العقاب ويقال لتلك الناحية طالقان وكانت في ضمان الجعفري فاستناب بها علويا وكان بالري أبو مسلم صهر نظام الملك واتصل به الحسن بن الصباح وكان بينهم عالما بالتعاليم والنجوم والسحر وكان من جملة تلامذة ابن غطاش صاحب قلعة أصفهان ثم اتهمه أبو مسلم بجماعة من دعاة المصريين عنده فهرب منه وجال في البلاد وانتهى إلى مصر فأكرمه المستنصر وأمره بدعاء الناس إلى إمامته وقال له الحسن من الإمام بعدك فأشار إلى ابنه نزار وعاد من مصر إلى الشام والجزيرة وديار بكر وبلاد للروم ورجع إلى خراسان بقلعة الموت فنزل على العلوي فأكرمه واعتقد البركة فيه وأقام بها وهو يحاول إحكام أمره في تملكها فلما تم له من ذلك ما أراد أخرج العلوي منها وملكها واتصل الخبر بنظام الملك فبعث العسكر لحصارها فجهده الحصار وبعث جماعة من الباطنية فقتلوا نظام الملك ورجعت العساكر واستولوا أيضا على قلعة طبس وما جاورها من قلاع قوهستان وهي زرون وقائد وكان رئيس قوهستان المنور من أعقاب بني سيجور أمراء خراسان للسامانية فطلبه عامل قوهستان وأراد اغتصاب أخته فاستدعى الإسماعيلية وملكهم هذه القلاع واستولوا على قلعة خالنجان على خمسة فراسخ من أصفهان كانت لمؤيد الملك بن نظام الملك وانتقلت إلى جاولي سقاور من أمراء الغز وولى عليها بعض الترك فاتصل به بعض الباطنية وخدمه وأهدى له حتى صارت مفاتيح القلعة في يده فدس لابن غطاش في قلعة شاه در فجاء في جمع من أصحابه ليلا وهرب التركي فملكها وقتل من كان بها وقوي بها على أهل أصفهان وفرض عليهم القطائع ومن قلاعهم أسويا وندبين الرمل وآمد ملكوها بعد ملك شاه غدرا ومنها أزدهر ملكها أبو الفتوح ابن أخت الحسن بن الصباح ومنها كردكوه ومنها قلعة الناظر بخوزستان وقلعة الطنبور قرب أرجان ملكها أبو حمزة الإسكاف من أهل ارجان وقد كان سافر إلى مصر فأخذ بمذهبهم ورجع داعية لهم ومنها قلعة ملاوخان بين فارس وخوزستان امتنع بها المفسدون نحوا من مائتي سنة لقطع الطريق حتى فتحها عضد الدولة بن بويه وقتل من بها فلما ملك ملك شاه أقطعها للأمير أنز فولى عليها من قبله وداخله الباطنية الذين من أرجان في بيعها منهم فأبى فقالوا نرسل إليك من يناظرك حتى نرى الحق في مذهبنا وبعثوا إليهم رجالا منهم فاعتقلوا مملوكه حتى سلم لهم مفاتيح القلعة وقبضوا على صاحبها وقويت شوكتهم وامتدت أيدي الناس إلى قتلهم واعتقدوا جهادهم وثاروا بهم في كل وجهة فقتلوهم وقتلتهم العامة بأصفهان وكانوا قد ظهروا بها عند محاصرة السلطان بركيارق أصفهان وبها أخوه محمد وأمه خاتون الجلالية وفشت فيها دعوتهم وكثر فيها الاغتيال من أتباعهم فثاروا بهم وقتلوهم وحفروا الأخاديد وأوقدوها بالنيران وجعلوا يأتون بالباطنية فيلقونهم فيها وتجرد جاولي سقاور وكان واليا بفارس للجهاد فيهم وتحيل عليهم بجماعة من أصحابه أظهروا الهروب إليهم فأوثقوا بهم وسار هو من بعد ذلك إلى همذان فأغزاهم ثم صار الباطنية من بعد ذلك إلى همذان لقتل أمراء السلجوقية غدرا فكان يقصد أحدهم أميرا من هؤلاء وقد استبطن خنجرا واستمات حملهم على ذلك السلطان بركيارق واستعان بهم على أمر أخيه فكان أحدهم يعرض نفسه بين يدي الأمير حتى يتمكن من طعنه فيطعنه ويهلك غالبا ويقتل الباطني لوقته فقتلوا منهم كذلك جماعة ولما ظهر بركيارق على أخيه محمد انتشروا في عسكره واستعانوا بطائفة منهم وتهددوا بالقتل على ذلك حتى ارتاب أمراء العسكر بأنفسهم وخافوا عاديتهم ولازموا حمل السلاح وشكوا إلى بركيارق بذلك وبما يلقونه منهم ومن عسكر أخيه فيما يرمونهم به من الاتحاد بهؤلاء الباطنية فأذن في قتلهم وركب والعسكر معه فتتبعوهم بالقتل حتى أن الأمير محمدا من أعقاب علاء الدولة بن كاكويه وكان صاحب مدينة يزد أتهم برأيهم فهرب وقتل وكتب إلى بغداد في أبي إبراهيم الاستراباذي وكان بركيارق بعثه رسولا فأخذ هنالك وقتل واستلحموا في كل جهة واستلحم المتهمون وانطلقت عليهم الأيدي في كل ناحية وذلك سنة ست وثمانين ولما استفحل أمر السلطان محمد بعد أخيه بركيارق زحف إلى قلعة شاه در التي بها أحمد بن غطاش لقربها من أصفهان سرير ملكه فجمع العساكر والأمم وخرج في رجب من أول المائة السادسة وأحاط بجبل القلعة ودوره أربعة فراسخ ورتب الأمراء لقتالها نوبا ولما اشتد الأمر بهم سألوا فتوى الفقهاء في أمرهم وكتبوا ما نصه: ما يقول السادة الفقهاء أئمة للدين في قوم يؤمنون بالله واليوم الاخر وكتبه ورسله وأن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم حق وصدق وإنما يخالفون في الإمام هل يجوز للسلطان مساعدتهم ومراعاتهم وأن يقبل طاعتهم ويحرسهم من كل أذى أم لا؟ فأجاب أكثر الفقهاء بجواز ذلك وتوقف بعضهم وجمعوا للمناظرة فقال السمنجاني من كبار الشافعية: يجب قتالهم ولا يجوز إقرارهم بمكانهم ولا ينفعهم التلفظ بالشهادتين فإنهم لا يرون مخالفة إمامهم إذا خالف أحكام الشرع وبذلك تباح دماؤهم إجماعا وطالت المناظرة في ذلك ثم سألوا أن يأتيهم من العلماء من يناظرهم وعينوا أعيانا من أصفهان وقصدوا بذلك المطاولة والتعلل فبعثهم السلطان إليهم فعادوا من غير شيء فاشتد السلطان إليهم في حصارهم واستأمنوا على أن يعوضوا عن قلعتهم بقلعة خالنجان على سبعة فراسخ من أصفهان وأن يؤجلوا في الرحيل شهرا فأجابهم وأقاموا في تلك المدة يجمعون ما يقدرون عليه من الأطعمة ووثبوا على بعض الأمراء وسلم منهم فجدد السلطان حصارهم وطلبوا أن ينتقلوا إلى قلعة الناظر وطبس ويبعث السلطان معهم من يوصلهم ويقيم الباقون بضرس من القلعة إلى أن يصل الأولون ثم يبعث مع الآخرين من يوصلهم إلى ابن الصباح بقلعة الموت فأجابهم إلى ذلك وخرج الأولون إلى الناظر وطبس وخرب السلطان القلعة وتمسك ابن غطاش بالضرس الذي هو فيه وعزم على الاعتصام به وزحف إليه الناس عامة وهرب بعضهم إلى السلطان فدله على عورة المكان فصعدوا إليه وقتلوا من وجدوا فيه وكانوا ثمانين وأخذا ابن غطاش أسيرا فسلخ وحشي جلده تبنا وقتل ابنه وبعث برأسهما إلى بغداد وألقت زوجه نفسها من الشاهق فهلكت.